بسم الله الرحمن الرحيم

خادم الامام الحسين عليه السلام

شريك الملائكة

﴿١﴾

الرقم الدولي ISBN: ٩٧٨٩٩٣٣٤٨٩٢٤٣

الفتلاوي، علي، ١٩٦٠- م.

خادم الإمام الحسين عليه السلام شريك الملائكة / تأليف علي الفتلاوي. - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، ١٤٣٣ق. = ٢٠١٢م.

٦٤ ص. – (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ ٨٣)

المصادر في الحاشية.

١. الحسين بن علي (ع)، الإمام الثالث، ٤ – ٦١ ق. – مرقد – روابط – خدمة الإمام (ع) – فضائل. ٢. العتبات المقدسة – كربلاء – الدور الاجتماعي والأخلاقي. ٣. خدمة الإمام الحسين (ع) – الأخلاق الإسلامية. ٤. الحسين بن علي (ع) – الإمام الثالث – ٤ – ٦١ ق – كرامات – أحاديث. ألف . العنوان.

٢خ ٢٧ف / ٧٥ / ٤١ BP

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

﴿٢﴾

خادم الامام الحسين عليه السلام شريك الملائكة

تأليف

الشيخ علي الفتلاوي

﴿٣﴾

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

١٤٣٣هـ - ٢٠١٢م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: ٣٢٦٤٩٩

www.imamhussain-lib.com

E-mail: [email protected]

﴿٤﴾

المقدمة

الحمد لله الذي منّ علينا بنعمه وآلائه، ووفقنا لخدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام، وله الشكر على ما تقر به العيون من رؤية الضريح المقدس، وما تشمه الأنوف من عبقات ترابه، وتنشرح به الصدور من نفحات طيبة.

والصلاة الدائمة على جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه الزهراء وأخيه المجتبى وذريته النجباء وأتم السلام المؤطر بالرحمة والبركات عليهم.

وأكمل صلاتي وأتم تسليمي على السبط الشهيد وعلى ولده وأخوته وعمومته وصحبه، وأتبعها بلعنة دائمة على قاتليهم ومن رضي بقتلهم إلى يوم الدين.

* أخي الخادم يا من شرفه الله تعالى بخدمة الإمام وزواره، أنت مغبوط من قبل أهل السماء قبل أهل الأرض.

ــ كيف لا تكون كذلك وأنت في بقعة هي روضة من رياض الجنة؟!

﴿٥﴾

ــ كيف لا تكون كذلك وأنت تخدم في قبر ضم سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته؟!

ــ كيف لا تكون كذلك وأنت تعمل في مكان يعجّ بالملائكة؟!

ــ كيف لا تكون كذلك وأنت ممن يدخل السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام؟!

ــ كيف لا تكون كذلك وأنت حاضرٌ في ليلة الجمعة وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى وليلة عرفة وليلة عاشوراء وأيامهم؟!

ــ كيف لا تكون كذلك وأنت تزور الحسين عليه السلام كل صباح ومساء دون مانع أو عائق؟!

* أخي الخادم اقرأ هذا الكراس واعرف منزلتك، فأنت شريك الملائكة ولا عجب.

* أخي الخادم يضم هذا الكراس فضل الخدمة ومكانها ونوعها، وصفات الخادم وربحه وأقوال المراجع فيه، كما يضم بيان وجه الشراكة مع الملائكة.

وفقك الله تعالى للثبات على هذه الخدمة.

﴿٦﴾

فضل الخدمة

لا شك في أن الخدمة تستوجب الذلة وتشعر بالحقارة، وتجرح الكبرياء إذا كانت من أجل الدنيا، أو كانت لشهوة فانية ورغبة تافهة، أو لتحلق وتزلف لمخلوق نأمل منه نفعا دنيويا وحطاماً زائلاً.

أما إذا كانت الخدمة عبادة، والنية فيها هي القرب إلى الله تعالى فلا شك في كونها فخراً وعزة ورفعة في الدنيا وجنة ورضواناً في الآخرة، وهذا ما أكده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

«أيما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلاّ أعطاه الله مثل عددهم خداماً في الجنة»((١)).

تأمل أخي الخادم ما أروع هذا الحديث! هو يقول من خدم قوماً من المسلمين على وجه العموم دون أيّة صفة لهؤلاء المسلمين يعطيه الله تعالى مثل عددهم خداماً في الجنة.

١- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٩.

﴿٧﴾

فكيف إذا كان هؤلاء القوم المسلمون هم زوار الإمام الحسين عليه السلام؟!

وكيف إذا كان عددهم بالملايين؟!

فلا يقل قائل ما هو الفرق بين المسلمين سواء أكانوا زواراً أم غير ذلك؛ فأقول: إن زائر الإمام الحسين عليه السلام له من الفضل ما يعجز اللسان عن ذكره، وتكل الأقلام عن سطره، وتستبشر النفوس عند سماعه، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث التالية:

قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام:

«وكّل الله بقبر الحسين عليه السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثاً غبراً من يوم قُتل إلى ما شاء الله ــ يعني بذلك قيام القائم ــ ويدعون لمن زاره ويقولون: يا ربّ هؤلاء زوار الحسين افعل بهم وافعل بهم»(١).

وسُئل الإمام الصادق عليه السلام:

هل الملائكة يدعون لزوار الحسين عليه السلام؟

فقال عليه السلام:

«لا تدع زيارة الحسين عليه السلام، أما تحب أن تكون فيمن تدعو له الملائكة»(٢).

١- بشارة الزائرين: ص٨ ــ ٩.

٢- بشارة الزائرين: ص٩.

﴿٨﴾

وقال عليه السلام:

«إن الملائكة الموكلين، يبكونه ويستغفرون لزواره ويدعون الله لهم»(١).

وورد عن أبي إبراهيم أنه قال:

«من خرج من بيته يريد زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام وكّل الله به ملكاً فوضع اصبعه في قفاه فلم يزل يكتب ما يخرج من فيه حتى يرد الحير، فإذا خرج من باب الحير وضع كفه وسط ظهره ثم قال له: أمّا ما مضى فقد غفر الله لك فاستأنف العمل»(٢).

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام:

«إن أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين عليه السلام شعثاً غبراً يبكون إلى يوم القيامة، رئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض إلا عادوه، ولا يموت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته»(٣).

فبعد أن عرفت فضل الخدمة وفضل الزائر المخدوم، فهل يبقى لديك شك في توفيقك وفوزك وسعادتك؟ وهل يفرّط عاقل بهذه الخدمة فيتركها ويذهب إلى الخدمة في دوائر الدولة من أجل المال الذي سيفنى؟

١- المصدر نفسه.

٢- بشارة الزائرين: ص١٠.

٣- بشارة الزائرين: ص١٠.

﴿٩﴾

وهل يصح أن تعمل في هذا المكان المقدس من أجل الأجر المادي فقط؟ وهل تشك أخي الخادم في أن عملك هذا عبادة؟

فلا تتردد في خدمة المؤمنين ولا تستنكف من ذلك فإنها درجة لا يُدرك فضلها كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يقول:

«خدمة المؤمن لأخيه المؤمن درجة لا يُدرك فضلها إلاّ بمثلها»(١).

١- ميزان الحكمة: ج١، ص٧٣.

﴿١٠﴾

مكان الخدمة

في هذه المعمورة بقاع شرفها الله تعالى على غيرها من البقاع، فلذا اختلفت الأماكن باختلاف مواقعها واختلاف عناوينها، ومن هذه البقاع الشريفة والأماكن المقدسة كربلاء، بل هي أشرف وأقدس من مكة المكرمة، وهذا ما أشارت إليه الروايات التالية:

عن علي بن الحسين السجاد عليه السلام قال:

«اتّخذ الله تعالى كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام»(١).

وسُئل الإمام الباقر عليه السلام عن خصوصية أرض كربلاء؟ فقال عليه السلام:

«الغاضرية هي البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمران، وناجى نوحاً

١- بشارة الزائرين: ص٢٦.

﴿١١﴾

فيها، وهي أكرم أرض الله عليه، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أولياءه وأبناء نبيّه، فزوروا قبورنا بالغاضرية»(١).

وسئل الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام، أنه من الأفضل؟ أرض مكة أم أرض كربلاء؟ فقال عليه السلام:

«إنّ أرض الكعبة قالت: مَن مثلي، وقد بني بيت الله على ظهري، ويأتيني الناس من كلّ فجّ عميق، وجعلت حرم الله وأمنه؟ فأوحى الله إليها: أن كفّي وقرّي، ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولو لا من تضمّنت أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقرّي واستقرّي وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلاّ سخت بك وهويت بك في نار جهنّم»(٢).

وفي فضل أرض كربلاء على أرض مكة، قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام:

«خلق الله تبارك وتعالى ارض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضل أرض

١- المصدر نفسه.

٢- بشارة الزائرين: ص٢٨.

﴿١٢﴾

في الجنّة، وأفضل منزل ومسكن يسكّن الله فيه أولياءه في الجنة»(١).

ولا يأخذك العجب أو يكتنفك التعصب الأعمى أو يستولي على بصيرتك الجهل فتنكر ذلك، فتقول كيف تكون أشرف من مكة المكرمة؟

أن الذي أخبرك بقدسية مكة هو بذاته الذي أخبرك عن فضل كربلاء وشرافتها فانظر الروايات بتأمل.

ورد في كتب الفريقين أن حرمة المؤمن على الله تعالى أشد من حرمة الكعبة، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة التالية:

فجاء في الخصال عن الشيخ الصدوق قوله: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«المؤمن أعظم حرمة من الكعبة»(٢).

وجاء في كتاب أصول الكافي: عن الصادق عليه السلام قال:

«لله عز وجل في بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحرمة آل الرسول، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة المؤمن. و إن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة»(٣).

١- المصدر نفسه.

٢- الخصال للشيخ الصدوق: ص٢٧، ح٩٥.

٣- مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج٢، ص٢٧١.

﴿١٣﴾

فكيف بحرمة الإمام الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وسبط النبي وريحانته؟! هذه كربلاء ضمت في طياتها رجلاً طهره الله تعالى تطهيرا، ورجلاً إماماً قام أم قعد، ورجلاً فرض الله مودته على الأمة، وباهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفد نجران وانتصر عليهم، ورجلاً هو حجة الله تعالى على الخلق، فلذا ورد أن قبره في روضة من رياض الجنة وعلى ترعة من ترعها، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام:

«موضع قبر الحسين بن علي صلوات الله عليهما منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة»(١).

وقال عليه السلام:

«موضع قبر الحسين ــ عليه السلام ــ ترعة من ترع الجنة»(٢).

اعلم أخي الخادم العزيز الذي شرفه الله تعالى بهذه الخدمة أن مكان خدمتك هو مهبط الملائكة ومزار الأنبياء والأوصياء، وليس هو شركة أو مؤسسة أو دائرة حكومية، واعلم أنك تعمل وتتواجد في مكان ومحل عمل الملائكة، فتأمل هذه الروايات بدقة وافتح لها قلبك ليتضح لك صحة ما أقول:

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

١- بشارة الزائرين: ص٢٧

٢- المصدر نفسه.

﴿١٤﴾

«ليس من ملك في السموات إلا وهم يسألون الله جلّ وعلا أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ففوج ينزل وفوج يعرج»(١).

وأيضا عنه عليه السلام، حيث أقسم على صحة قوله قال:

«كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين عليه السلام»(٢).

وعن أفضلية الملائكة الذين يزورون قبر الإمام الحسين عليه السلام أم المؤمنين، ورد: (عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام:

«كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين عليه السلام».

قال: قلت: فيترأون له؟ قال عليه السلام:

«هيهات هيهات، قد لزموا والله المؤمنين حتى أنهم ليمسحون وجوههم بأيديهم»)(٣).

وسُئل الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام عن عدد الملائكة الموكلين من الله تعالى بقبر الإمام الحسين عليه السلام فقال:

«وكّل الله بقبر الحسين سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثاً

١- بشارة الزائرين: ص٧.

٢- كامل الزيارات لابن قولويه: ص٢٥٩.

٣- بشارة الزائرين: ص٧.

﴿١٥﴾

غبراً من يوم قُتل إلى ما شاء الله ــ يعني بذلك قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ــ ويدعون لمن زاره ويقولون: يا ربّ هؤلاء زوار الحسين افعل بهم وافعل بهم»(١).

وقال الإمام الصادق عليه السلام:

«لا تدع زيارة الحسين، أما تحب أن تكون فيمن تدعو له الملائكة»(٢).

وقال عليه السلام:

«... يبكونه ــ أي الملائكة يبكون على الحسين عليه السلام ــ ويستغفرون لزواره ويدعون الله لهم»)(٣).

١- بشارة الزائرين: ص ٨ ــ ٩.

٢- كامل الزيارات لابن قولويه: ص٢٣٣.

٣- بشارة الزائرين: ص٩.

﴿١٦﴾

نوع الخدمة التي يؤديها الملك

أخي الخادم لعلك اشتقت كثيراً لتعرف نوع الخدمة التي تقدمها الملائكة، ولعلك تتساءل هل يصح أن نطلق كلمة خادم على الملك؟

الجواب: أذكر لكم هذه الرواية التي تصرح بلفظ (خدام) لتؤكد صحة إطلاق كلمة خادم على الملك:

ورد في كتاب كامل الزيارات: (عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

«كأني بالملائكة والله قد ازدحموا المؤمنين على قبر الحسين عليه السلام».

قال: قلت: فيترأون له، قال:

«هيهات هيهات، قد لزموا والله المؤمنين حتى أنهم ليمسحون وجوههم بأيديهم».

﴿١٧﴾

قال ــ عليه السلام ــ:

«وينزل الله على زوار الحسين ــ عليه السلام ــ غدوة وعشية من طعام الجنة وخدامهم الملائكة لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ أعطاها إياه».

قال: قلت: هذه والله الكرامة.

قال لي:

«يا مفضل أزيدك؟».

قلت: نعم سيدي، قال:

«كأني بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجواهر وكأني بالحسين (بن علي) عليه السلام جالس على ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبة خضراء وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه فيقول الله عزّ وجل لهم: أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها لكم.

فيكون أكلهم وشربهم في الجنة فهذه والله الكرامة التي لا انقضاء لها ولا يدرك منتهاها»)(١).

وأذكر لكم الروايات التي تشير إلى نوع الخدمة التي تقدمها الملائكة وهي كما يأتي:

١- كامل الزيارات لابن قولويه: ص٢٥٩.

﴿١٨﴾

١ ــ الملائكة يصحبون الزائر

الملائكة يصحبون الزائر الذي يخرج من بيته لزيارة الإمام الحسين عليه السلام ويرحبون به، بل تبقى الملائكة مرابطة معه حتى يرجع إلى بيته.

ورد في كتاب كامل الزيارات: (عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إن الرجل إذا خرج من منزله يريد زيارة (قبر) الحسين عليه السلام شيعه سبع مائة ملك من فوق رأسه ومن تحته ومن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى يبلغوه مأمنه فإذا زار الحسين عليه السلام ناداه مناد: قد غفر (الله) لك فاستأنف العمل ثم يرجعون معه مشيعين له إلى منزله فإذا صاروا إلى منزله قالوا: نستودعك الله فلا يزالون يزورونه إلى يوم مماته ثم يزورون قبر الحسين عليه السلام في كل يوم وثواب ذلك للرجل»)(١).

٢ ــ الملائكة تبشر الزائر بالمغفرة

(عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«من خرج من منزله يريد زيارة الحسين عليه السلام، إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة وحط بها عنه سيئة.

١- كامل الزيارات لابن قولويه: ص٣٥١.

﴿١٩﴾

وإن كان راكباً كتب الله له بكل حافر حسنة وحط عنه بها سيئة حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين، وإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال: أنا رسول الله، ربك يقرئك السلام ويقول لك استأنف... فقد غفر لك ما مضى»)(١).

٣ ــ الملائكة تستقبل الزائر وتودعه

في الكافي: (عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

«إنّ أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين عليه السلام شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلاّ شيعوه ولا يمرض إلا عادوه ولا يموت إلا صلّوا على جنازته واستغفروا له بعد موته»)(٢).

٤ ــ الملائكة تدعو للزائر

عن جابر الجعفي قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام للمفضل:

«كم بينك وبين قبر الحسين عليه السلام؟».

قال: قلت بأبي أنت وأمي يوم وبعض يوم آخر، قال:

«فتزوره؟».

فقال: نعم، قال: فقال:

١- بصائر الهدى: ص٨٤.

٢- الكافي للشيخ الكليني: ج٤، ص٥٨ و ٥٢.

﴿٢٠﴾

«ألا أبشرك ألا أفرحك ببعض ثوابه؟».

قلت: بلى، جعلت فداك، قال: فقال لي:

«إن الرجل منكم ليأخذ في جهازه ويتهيأ لزيارته فيتباشر به أهل السماء فإذا خرج من باب منزله راكباً أو ماشياً وكّل الله به أربعة آلاف ملك من الملائكة يصلون عليه حتى يوافي قبر الحسين عليه السلام.

يا مفضل، إذا أتيت قبر الحسين بن علي عليهما السلام فقف بالباب وقل هذه الكلمات فإن لك بكل كلمة كفلاً من رحمة الله».

فقلت: ما هي جعلت فداك، قال:

«تقول: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث علي وصي رسول الله، السلام عليك يا وارث الحسن الرضي، السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول الله، السلام عليك أيها الشهيد الصديق، السلام عليك أيها الوصي، البار، التقي، السلام عليك يا حجة الله وابن حجته، السلام على الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك، السلام على ملائكة الله المحدقين بك، أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروفة ونهيت عن المنكر وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته).

﴿٢١﴾

ثم تسعى فلك بكل قدم رفعتها أو وضعتها كثواب المتشحط بدمه في سبيل الله، فإذا سلمت على القبر فالتمسه بيدك وقل: السلام عليك يا حجة الله في سمائه وأرضه، ثم تمضي إلى صلاتك ولك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حج ألف حجة واعتمر ألف عمرة وأعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل، فإذا انقلبت من عند قبر الحسين عليه السلام ناداك منادٍ لو سمعت مقالته لأقمت عمرك عند قبر الحسين عليه السلام وهو يقول: طوبى لك أيها العبد، قد غنمت وسلمت، قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل، فإن هو مات من عامه أو في ليلته أو يومه لم يل قبض روحه إلاّ الله وتقبل الملائكة معه ويستغفرون له ويصلون عليه حتى يوافي منزله، وتقول الملائكة يا رب هذا عبدك قد وافى قبر ابن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وافى منزله فأين نذهب فيناديهم النداء من السماء يا ملائكتي قفوا بباب عبدي فسبحوا وقدسوا واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم يتوفى.

قال: فلا يزالون ببابه إلى يوم يتوفى، يسبحون الله ويقدسونه ويكتبون ذلك في حسناته، فإذا توفى شهدوا جنازته وكفنه وغسله والصلاة عليه ويقولون ربنا وكلتنا بباب عبدك وقد توفي فأين نذهب فيناديهم: يا ملائكتي قفوا بقبر عبدي فسبحوا وقدسوا واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة»)(١).

١- بصائر الهدى: ص٩٥ ــ ٩٦.

﴿٢٢﴾

٥ ــ الملائكة تحرس القبر وزواره

عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي، قال: (خرجت في آخر زمان بني مروان لزيارة قبر الحسين عليه السلام متخفياّ من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال: انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه، فرجعت فزعاً حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إليّ الرجل فقال لي: يا هذا إنك لا تصل إليه.

فقلت له: عافاك الله، ولم لا أصل إليه وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني وبينه، عافاك الله، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلني أهل الشام إن أدركوني ها هنا.

قال: فقال لي: أصبر قليلاً فإن موسى بن عمران عليه السلام سئل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألفاً من الملائكة فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يعرجون إلى السماء.

قال، فقلت له: فمن أنت عافاك الله، قال: أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين عليه السلام والاستغفار لزواره، فانصرفت وقد كاد أن يطير عقلي لما سمعت منه.

﴿٢٣﴾

قال: فأقبلت لما طلع الفجر نحوه فلم يحل بيني وبينه أحد فدنوت من القبر وسلمت عليه ودعوت الله على قتلته وصليت الصبح وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام)(١).

٦ ــ الملائكة يصلون ويهدون ثوابها للزائر

عن عنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته يقول:

«وكّل الله تبارك وتعالى بقبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سبعين ألف ملك يعبدون الله عنده، الصلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين يكون ثواب صلاتهم لزوار قبر الحسين بن علي عليه السلام وعلى قاتله لعنة الله والملائكة والناس أجمعين أبد الآبدين»)(٢).

وفي كامل الزيارات: عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«وكّل الله بقبر الحسين عليه السلام سبعين ألف ملك شعثاً غبراً يبكونه إلى يوم القيامة يصلون عنده، الصلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين يكون ثواب صلاتهم وأجر ذلك لمن زار قبره»(٣).

١- بصائر الهدى: ص ٨٩ ــ ٩٠.

٢- بصائر الهدى: ص ٧٨.

٣- كامل الزيارات لابن قولويه: ص١٧٦.

﴿٢٤﴾

٧ ــ الملائكة تخدم في الليل والنهار

جاء في خبر عبد الملك بن مقرون (عن الصادق عليه السلام: قال:

«إذا زرتم أبا عبد الله عليه السلام فالزموا الصمت إلاّ من خير وإن ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء، فينتظرونهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الفجر، ثم يكلمونهم ويسألونهم عن أشياء من أمر السماء، فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنما شغلهم بكم إذا نطقتم».

قلت: جعلت فداك فما الذي يسألونهم عنه وأيهم يسأل صاحبه الحفظة أو أهل الحائر؟ قال:

«أهل الحائر يسألون الحفظة لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون والحفظة تنزل وتصعد».

قلت: فما ترى يسألونهم عنه؟ قال:

«أنهم يمرون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء، فربما وافقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده فاطمة الزهراء والحسن والحسين والأئمة من مضى منهم فيسألونهم عن أشياء، وعمن حضر منكم الحائر ويقولون بشروهم بدعائكم، فتقول الحفظة: كيف نبشرهم وهم لا يسمعون كلامنا فيقولون لهم: باركوا عليهم وادعوا لهم عنا فهي البشارة منا،

﴿٢٥﴾

فإذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتى يحسوا مكانكم وإنا نستودعهم الذي لا تضيع ودائعه، ولو يعلمون ما في زيارته من الخير ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف ولباعوا أموالهم في إتيانه»)(١).

١- بصائر الهدى: ص١٢١.

﴿٢٦﴾

وجه الشراكة

ليس المراد من قولنا: إن خادم الإمام الحسين عليه السلام شريك الملائكة بلحاظ الذات، لأن ذات الملائكة مخلوقة من نور(١) وذات الإنسان من طين(٢)، كما أن ذات الملك لا داعي فيها للمعصية كالقوى الغضبية أو الشهوية وإنما يوجد فيها القوى العاقلة فقط مما يجعل الملائكة معصومين من المعصية.

إذن للشراكة وجه آخر وهو الخدمة ونوعها ومكانها، فالخدمة التي يقوم بها الملك هي بذاتها يقوم بها خادم الإمام الحسين عليه السلام وهي كما مبين أدناه:

١- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خُلِقَ المَلائكةُ مِن نورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ من نار، وخَلِقَ آدمُ مِمّا وُصِفَ لَكُم»؛ ميزان الحكمة: ج٨، ص١٧٥، باب الملائكة، برقم ٣٦٤٩، ح١٩٠٩٢.

٢- ﴾وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴿ ، المؤمنون/١٢.

﴿٢٧﴾

تقدم في المبحث السابق الروايات التي تبينت نوع الخدمة التي يؤديها الملك وكانت تشير إلى ما يأتي:

خدمة الملك

خدمة الخادم

١ ــ الملائكة تصحب الزائر من وقت خروجه إلى حين رجوعه فهي مصاحبة له في داخل العتبة قطعاً.

١ ــ أنت تصحب الزائر وترشده وتنظم سيره في داخل العتبة أيضا.

٢ ــ الملائكة تبشر الزائر بحاله من الثواب.

٢ ــ أنت أيضا تبشر الزائر بذلك.

٣ ــ الملائكة تستقبل الزائر وتودعه.

٣ ــ أنت أيضا تستقبل الزائر وتودعه.

٤ ــ الملائكة تدعو للزائر.

٤ ــ أنت أيضا تدعو للزائر.

٥ ــ الملائكة تحرس القبر الشريف وزواره.

٥ ــ أنت أيضا تحرس القبر الشريف وزواره.

٦ ــ الملائكة تخدم في هذا المكان المقدس.

٦ ــ أنت أيضا تخدم في هذا المكان المقدس.

٧ ــ الملائكة تخدم في الليل والنهار.

٧ ــ أنت أيضا تخدم في الليل والنهار.

فبعد هذه المقارنة البسيطة والواضحة اتضح لنا وجه الشراكة في خدمة الإمام الحسين عليه السلام وزواره بين الملائكة وخدم الإمام الحسين عليه السلام من البشر، ولكن لابد من أن نعرج على بيان صفات الخادم وهذا ما سنتعرض له في المبحث الآتي.

﴿٢٨﴾

صفات الخادم

ذكرت الروايات صفات كثيرة للملائكة منها أن الملائكة خَلْقٌ مكرّمون طائعون خاشعون عالمون بالله تعالى لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ولا يغفلون عنه، منزهون عن النقص، لا يستنكرون من عبادة ربهم جلا وعلا، ولا يؤثرون التقصير على الالتزام بأمر الله تعالى، ولا يسأمون الامتثال لأمر الله تعالى، ولا يفترون عن ذكر الله تعالى وتسبيحه وتقديسه، وهناك المزيد من الصفات التي يتصف بها الملائكة، فلذا يجب علينا كخدم للإمام الحسين عليه السلام أن نشترك مع الملائكة في هذه الخدمة، أن نتصف بهذه الصفات ولكن بحسب قابليتنا واستعدادنا البشري ولا بأس في ذكر بعض ما يجب علينا الاتصاف به وهو كالآتي:

١ ــ أن يكون مؤمنا بإمامة الإمام وموقنا بحجيته

ورد في الزيارات:

(أشهد أنك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي... أشهد أنك حجة الله...) (١).

١- مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ص٧٢١.

﴿٢٩﴾

٢ ــ أن يكون مواظباً على أداء الفرائض ومبتعداً عن المعاصي كما جاء في صفات المؤمنين

عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال:

«إنّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها»(١).

وعن الإمام العسكري عليه السلام في صفات المؤمن قال:

«صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(٢).

٣ ــ أن يكون كثير الذكر والتسبيح لله تعالى

جاء في كتاب ثواب الأعمال وعقابها:

حدثني الحسين بن أحمد رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أكثروا من قول (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) فإنّهن يأتين يوم القيامة لهن مقدمات ومؤخرات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات»(٣).

١- نهج البلاغة: ج٤، ص٢٤.

٢- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٩٥، ص٣٤٨.

٣- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق: ص٢٨ ــ ٢٩.

﴿٣٠﴾

وقد فسّر العلماء التسبيح بأنه: تنزيه الله عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به، أي: التسبيح يكون في معنى الصلاة، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، هي من الصفات الإلهية عزّ شأنه(١).

وعن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«ما من شيء إلاّ وله حدّ ينتهي إليه إلاّ الذكر فليس له حدٌّ ينتهي إليه، فرض الله عزّ وجلّ الفرائض فمن أدّاهن فهو حدّهنّ؛ وشهر رمضان فمن صامه فهو حدّه، والحجّ فمن حجّ فهو حدّه، إلاّ الذّكر فإن الله عزّ وجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ثمّ تلا هذه الآية:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (٢)».

فقال:

«لم يجعل الله عزّ وجل له حداّ ينتهي إليه».

قال:

«وكان أبي عليه السلام كثير الذّكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدّث القوم (و) ما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: (لا إله إلا الله)، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى

١- العين للفراهيدي: ج٣، ص١٥١ ــ ١٥٣.

٢- سورة الأحزاب، الآية: ٤١.

﴿٣١﴾

تطلع الشّمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرا منّا ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر.

والبيت الذي يُقْرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السّماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم) فقالوا: بلى، فقال: ذكر الله عزّ وجل كثيرا».

ثم قال:

«جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم لله ذكرا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أعطي لسانا ذاكرا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، وقال في قوله تعالى:

﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ (١).

قال: لا تستكثر ما عملت من خير الدنيا»)(٢).

١- سورة المدثر، الآية: ٦.

٢- أصول الكافي: ج٢، ص٤٦٦ ــ ٤٦٧، باب ذكر الله عزّ وجل كثيرا، برقم ٤١٧.

﴿٣٢﴾

٤ ــ أن يكون متواضعا

عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب، وعليه خُلقان الثياب».

قال: «فقال جعفر عليه السلام:

فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلمّا رأى ما بنا وتغيّر وجوهنا قال: الحمد لله الذي نصر محمّداً وأقرّ عينه، ألا أبشّركم؟ فقلت: بلى أيّها الملك، فقال: إنّه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك فأخبرني أنّ الله عز وجل قد نصر نبيّه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأهلك عدوّه وأسر فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر كثير الأراك لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيّدي هناك، وهو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر: أيها الملك فمالي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال له: يا جعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام أنّ من حقّ الله على عباده أن يحدثوا له تواضعاً عندما يحدث لهم من نعمة، فلمّا أحدث الله عزّ وجل لي نعمة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أحدثت لله هذا التّواضع، فلمّا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: إنّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدّقوا يرحمكم الله، وإنّ التواضع يريد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله،

﴿٣٣﴾

وإنّ العفو يزيد صاحبه عزّاً، فاعفوا يعزّكم الله»)(١).

٥ ــ أن يكون صبوراً وحليماً

عن قاسم بن محمد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام:

«يا حفص إنّ من صبر صبر قليلاً وإنّ من جزع جزع قليلاً».

ثم قال:

«عليك بالصبر في جميع أمورك، فإنّ الله عزّ وجل بعث محمّدا صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بالصبر والرّفق، فقال:

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾ (٢).

وقال تبارك وتعالى:

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (٣).

فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها،

١- أصول الكافي: ج٢، ص١٢٩ ــ ١٣٠.

٢- المزمل/ ١٠، ١١.

٣- فصلت/ ٣٤، ٣٥.

﴿٣٤﴾

فضاق صدره فأنزل الله عزّ وجل:

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ (١).

ثمّ كذّبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل الله عزّ وجل:

﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا...﴾ (٢).

فألزم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نفسه الصبر، فتعدّوا فذكروا الله تبارك وتعالى وكذّبوه.

فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي، فأنزل الله عزّ وجل:

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾(٣).

فصبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أحواله، ثمّ بشّر في عترته بالأئمة ووُصفوا بالصبر، فقال جلّ ثناؤه:

١- الحجر/ ٩٧، ٩٨.

٢- سورة الأنعام، الآيتان: ٣٣ و ٣٤.

٣- سورة ق، الآيتان: ٣٨ و ٣٩.

﴿٣٥﴾

﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (١).

فعند ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر الله عزّ وجل ذلك له»، فأنزل الله عزّ وجلّ:

﴿... وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾(٢).

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّه بشرى وانتقام، فأباح الله عزّ وجلّ له قتال المشركين»، فأنزل (الله):

﴿... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ...﴾ (٣).

وقال تعالى:

﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ...﴾(٤).

فقتلهم الله على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحبّائه، وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدّنيا حتّى يقرّ له عينه في أعدائه، مع ما يدّخر له في الآخرة)(٥).

١- سورة السجدة، الآية: ٢٤.

٢- سورة الأعراف، الآية: ١٣٧.

٣- التوبة/٥.

٤- البقرة/١٩١.

٥- أصول الكافي: ج٢، ص٩٤ ــ ٩٥، باب الصبر، برقم ٢٣٣.

﴿٣٦﴾

وأما الحلم فقد ورد عنه ما يأتي:

أولاً: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«الحلم سجيّة فاضلة»(١).

وعنه عليه السلام:

«الحلم نظام أمر المؤمن»(٢).

وعنه عليه السلام:

«لا عزّ أنفع من الحلم»(٣).

وعنه عليه السلام:

«تعلّموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره»(٤).

وعنه عليه السلام:

«جمال الرجل حلمه»(٥).

فيا أخي الخادم العزيز إذا تجاوز عليك أحد من الناس فتذكّر قول أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:

«من غاظك بقبح السفه عليك فغظه بحسن الحلم عنه»(٦).

١- ميزان الحكمة: ج١، ص٦٨٦.

٢- المصدر نفسه.

٣- المصدر نفسه.

٤- المصدر نفسه.

٥- المصدر نفسه.

٦- المصدر نفسه.

﴿٣٧﴾

٦ ــ أن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه

(عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير الهجري، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال له:

«سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلا وهو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب».

قلت له: جعلت فداك وما هي؟ قال:

«يا معلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تُضَيّع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل».

قال: قلت له: لا قوّة إلا بالله، قال:

«أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك.

والحق الثاني أن تجتنب سخطه وتتّبع مرضاته وتطيع أمره.

والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته.

والحق الخامس (أن) لا تشبع ويجوع، ولا تَروى ويظمأ ولا تَلبَس ويعرى.

والحق السادس أن يكون لك خادمٌ وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسّل ثيابه ويصنع طعامه ويمهّد فراشه.

﴿٣٨﴾

والحق السابع أن تبر قسمه وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك»)(١).

٧ ــ أن يكون عالماً بأمور دينه

عن محمد بن مسلم قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام:

«لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته»)(٢).

وفي حديث آخر قال عليه السلام:

«لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه في الدين لأوجعته»(٣).

وجاء في المحاسن:(في وصية المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«تفقهوا في دين الله ولا تكونوا أعراباً فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملاً»)(٤).

وعن عثمان بن عيسى، عن علي بن أبي حمزة، قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

١- أصول الكافي: ج٢، ص١٧٦، باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه، برقم ٢٦٠، ح٢.

٢- المحاسن لأحمد بن محمد البرقي: ج١، ص٢٢٨، ح١٦١.

٣- المصدر نفسه.

٤- المصدر نفسه.

﴿٣٩﴾

«تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم فهو أعرابي، إن الله عزّ وجل يقول في كتابه:

﴿...لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ...﴾(١)»(٢).

٨ ــ أن يشعر أنه في عبادة وليس في عمل دنيوي

قال الله تبارك وتعالى:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(٣).

قال الإمام علي عليه السلام:

«من يعمل يزدد قوة، ومن يقصّر في العمل يزدد فترة، والشرف عن الله سبحانه بحسن الأعمال، لا بحسن الأقوال، والعمل شعار المؤمن، والعمل رفيق الموقن، والعمل أكمل خلف»(٤).

وجاء في بحار الأنوار عن داود بن فرقد قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

١- التوبة/١٢٢.

٢- المصدر نفسه.

٣- النحل/٩٧.

٤- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢١٧، برقم ٢٨٩٠، ح١٢٣٧٦.

﴿٤٠﴾

«إن العمل الصالح يذهب إلى الجنة فيمهّد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له».

ثم قرأ: وأما الذين آمنوا ﴿...فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ(١)»(٢).

وسُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الأعمال فقال:

«أفضل الأعمال: إطعام الطّعام، وإطياب الكلام»(٣).

٩ ــ أن يكون مخلصاً في عمله

سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أي الأعمال مقبولة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصية لأبي ذر:

«يا أبا ذر، كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل؛ فإنه لا يقل عملك بالتقوى، وكيف يقل عمل يتقبل؟! يقول الله عزّ وجل:

﴿...قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(٤)»(٥).

وقال الإمام علي عليه السلام:

«إنّك لن يتقبل من عملك إلا ما أخلصت فيه»(٦).

١- مأخوذ من منضمون الآية في سورة الروم؛ الروم/٤٤.

٢- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٢٣، برقم ٢٨٩٢، ح١٤٤٠٧.

٣- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٢٥، برقم ٢٨٩٩، ح١٤٤٣١.

٤- سورة المائدة، الآية: ٢٧.

٥- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٢٨، برقم ٢٩٠١، ح١٤٤٥٢.

٦- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٢٨، برقم ٢٩٠١، ح١٤٤٥٣.

﴿٤١﴾

وقال عليه السلام، لما قيل له:

كم تصّدّق؟! ألا تُمسك؟!

قال:

«إنّي والله لو أعلم أن الله قَبِلَ مني فرضا واحداً لأمسكت، ولكني والله ما أدري أقبل الله مني شيئاً أم لا»(١).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«من قبل الله منه صلاة واحدة لم يعذّبه، ومن قبل منه حسنة... لم يعذّبه ودخل الجنة»(٢).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»(٣).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يُحسن»(٤).

وعن الإمام علي عليه السلام قال:

«مَن قصّر في العمل ابتلي بالهم»(٥).

١- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٣٠، برقم ٢٩٠٣، ح١٤٤٦٩.

٢- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٣٠، برقم ٢٩٠٣، ح١٤٤٧٠.

٣- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٣٣، برقم ٢٩١٠، ح١٤٤٩٠.

٤- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٣٣، برقم ٢٩١٠، ح١٤٤٩١.

٥- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢٣٤، برقم ٢٩١١، ح١٤٥٠٠.

﴿٤٢﴾

١٠ ــ أن يكون زاهداً في حب الجاه والمال

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«الجاه أحدُ الرّفدين»(١).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ الله تعالى ليسأل العبد في جاهه كما يسأل في ماله.

فيقول: يا عبدي، رزقتك جاها فهل أعنت به مظلوماً، أو أغثت به ملهوفاً؟»(٢).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حب الجاه:

«الزّهد في زماننا هذا في الدّنانير والدّراهم، وليأتين على الناس زمان الزهد في الناس أنفع له من الزهد في الدّنانير والدراهم»(٣).

١١ ــ أن يكون طيب الكلام

قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾(٤).

١- ميزان الحكمة: ج٢، ص١٨٥، برقم ٦٥٥، ح٣١٩١.

٢- ميزان الحكمة: ج٢، ص١٨٥، برقم ٦٥٥، ح٣١٩٢.

٣- ميزان الحكمة: ج٢، ص١٨٥، برقم ٦٥٦، ح٣١٩٤.

٤- الأحزاب/٧٠، ٧١.

﴿٤٣﴾

وقال عزّ وجل:

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾(١).

سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الأعمال فقال:

«إطعام الطعام وإطياب الكلام»(٢).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ في الجنّة غُرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمّتي من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»(٣).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«والذي نفسي بيده، ما أنفق الناس من نفقة أحب من قول الخير»(٤).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام:

«القول الحسن يُثري المال، وينمي الرزق، وينسئ في الأجل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة»(٥).

١- الإسراء/٥٣.

٢- ميزان الحكمة: ج٧، ص٥٤١، برقم ٣٤٧٥، حديث ١٨٠٥١.

٣- ميزان الحكمة: ج٧، ص٥٤١، برقم ٣٤٧٥، ح١٨٠٥٢.

٤- المصدر نفسه: ح١٨٠٥٣.

٥- ميزان الحكمة: ج٧، ص٥٤٢، ح١٨٠٦٣.

﴿٤٤﴾

وقال الإمام الصادق عليه السلام:

«معاشر الشيعة، كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول»(١).

١٢ ــ أن يكون بشوش الوجه

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة»(٢).

وعن حماد، عن ربعي، عن فضيل، (عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبّة، ويدخلان الجنة، والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار»(٣).

١٣ ــ أن يتصف بالهدوء والوقار

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«عليكم بالسكينة والوقار»(٤).

١- ميزان الحكمة: ج٧، ص٥٤٢، ح١٨٠٦٥.

٢- ميزان الحكمة: ج٢، ص١٥٩٧.

٣- أصول الكافي: ج٢، ص١١١، برقم ٢٣٦، باب حُسن البشر، ح٤.

٤- ميزان الحكمة: ج٩، ص٤٨٥، برقم ٤٠٨٨، ح٢٢٢٧٨.

﴿٤٥﴾

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«ليس البرّ في حسن اللباس والزّيّ، ولكن البرّ في السّكينة والوقار»(١).

وقال الإمام علي عليه السلام في صفة المؤمن:

«كثيرٌ صمته، مشغول وقته»(٢).

١٤ ــ أن يكون منصفا لغيره وملتزما بالحق ولو على نفسه

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإنصاف:

«ثلاثة لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال»(٣).

وقال الإمام علي عليه السلام من كتابه إلى مالك الأشتر:

«وشُحّ بنفسك عما لا يحل لك؛ فإن الشح بالنفس (الأنفس) الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.. .

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم!.. .

وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون، وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك

١- ميزان الحكمة: ج٩، ص٤٨٥، برقم ٤٠٨٨، ح٢٢٢٧٩.

٢- ميزان الحكمة: ج٥، ص١٦١، برقم ٢٢٩١، ح١٠٩٥٥.

٣- ميزان الحكمة: ج٩، ص٣٦، برقم ٣٨١٩، ح٢٠٢٦٥.

﴿٤٦﴾

أمورهم، ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله يوم تلقاه؛ فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه»(١).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«قُل الحق ولو على نفسك»(٢).

وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام:

«قُل الحق وإن كان فيه هلاكك، فإن فيه نجاتك... ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك فإن فيه هلاكك»(٣).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»(٤).

١٥ ــ أن يكون حسن الخلق

عن عبد الله بن سنان، عن رجل من أهل المدينة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:

١- ميزان الحكمة: ج٩، ص٤٦، برقم ٣٨١٩، ح٢٠٢٧٩.

٢- ميزان الحكمة: ج٢، ص٤١٣، برقم ٨٩٢، ح٤٢٦٥.

٣- ميزان الحكمة: ج٢، ص٤١٤، برقم ٨٩٢، ح٤٢٧٠.

٤- ميزان الحكمة: ج٢، ص٤١٤، برقم ٨٩٤، ح٤٢٧٣.

﴿٤٧﴾

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق»(١).

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم»(٢).

وعن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«البرّ وحسن الخلق يعمران الدّيار ويزيدان في الأعمار»(٣).

١٦ ــ أن يكون مطيعا للأوامر الصادرة إليه

كما قال الله تبارك وتعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾(٤).

قال الإمام علي عليه السلام:

«طاعة الله مفتاح كل سداد، وصلاح كل فساد»(٥).

١- أصول الكافي: ج٢، ص١٠٧، برقم ٢٣٥، باب حسن الخلق، ح٢.

٢- أصول الكافي: ج٢، ص١٠٧، برقم ٢٣٥، باب حسن الخلق، ح٥.

٣- أصول الكافي: ج٢، ص١٠٨، برقم ٢٣٥، باب حسن الخلق، ح٨.

٤- سورة النساء، الآية: ٥٩.

٥- ميزان الحكمة: ج٥، ص٢٦٩، برقم ٢٣٩٢، ح١١٤١٦.

﴿٤٨﴾

وعنه عليه السلام قال:

«أفضل الطاعات هجر اللّذات»(١).

وقال أيضا عليه السلام:

«أحقّ من أطعته مَن أمرك بالتّقى ونهاك عن الهوى»(٢).

وقال عليه السلام:

«طوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصره، وطاعة هاد أمره»(٣).

وقال أمير المؤمنين سلام الله عليه:

«أطع من فوقك يطعك من دونك»(٤).

١٧ ــ أن يشعر بالمسؤولية إزاء عمله، وبدونها سيقع في الخيانة

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«كلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»(٥).

وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:

«بالعمل يحصل الثواب لا بالكسل»(٦).

١- ميزان الحكمة: ج٥، ص٢٧٢، برقم ٢٣٩٦، ح١١٤٤٥.

٢- ميزان الحكمة: ج٥، ص٢٧٣، برقم ٢٣٩٧، ح١١٤٥٢.

٣- ميزان الحكمة: ج٥، ص٢٧٣، برقم ٢٣٩٧، ح١١٤٥٤.

٤- ميزان الحكمة: ج٥، ص٢٧٤، برقم ٢٣٩٧، ح١١٤٦١.

٥- بحار الأنوار: ج٧٢، ص٣٨، ح٣٦.

٦- ميزان الحكمة: ج٦، ص٢١٧، برقم ٢٨٩٠، ح١٤٣٧٩.

﴿٤٩﴾

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«المكر والخديعة والخيانة في النار»(١).

وجاء في الكافي عن محمد بن مرازم عن أبيه أو عمّه، قال: (شهدت أبا عبد الله عليه السلام وهو يُحاسب وكيلاً له، والوكيل يكثر أن يقول: والله ما خنت، والله ما خنت، فقال له أبو عبد الله عليه السلام:

«يا هذا، خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء؛ لأن الخيانة شرها عليك».

ثم قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أن أحدكم هرب من رزقه لتبعه حتى يدركه كما أنه إن هرب من أجله تبعه حتى يدركه، من خان خيانة حسبت عليه من رزقه وكتب عليه وزرها»)(٢).

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة، فلم يبالغ فيها بكل جهده، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين»(٣).

١- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٧٧، برقم ١١٦٠، ح٥٥٠٩.

٢- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٧٨، برقم ١١٦٠، ح٥٥٢٢.

٣- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٧٩، برقم ١١٦٢، ح٥٥٣٤.

﴿٥٠﴾

١٨ ــ أن يحترم من يخالفه الرأي ويحاور بهدوء

قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم:

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾(١).

وقال عزّ وجل:

﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(٢).

وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

«ذُكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن»(٣).

١- سورة النحل، الآية: ١٢٥.

٢- سورة العنكبوت، الآية: ٤٦.

٣- ميزان الحكمة: ج٢، ص٢٦، برقم ٥٠١، ح٢٤٤٠.

﴿٥١﴾

١٩ ــ أن يكون حريصا على ممتلكات العتبة المقدسة

اعلم أيها الخادم أن هذه الممتلكات التي بحوزتك وتحت تصرفك هي أمانه بعهدتك، قد ائتمنك عليها الإمام سلام الله عليه فكن كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج، والمعروف، وطنطنتهم بالليل! ــ أي: صلاة الليل ــ ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»(١). وفي وصية لُقمان الحكيم لابنه حول آثار الأمانة وتأديتها قال: (يا بنيّ، أدّ الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكن أمينا تكن غنيا»(٢).

وقال الإمام الباقر عليه السلام:

مَنْ عَرَفَ من عبدٍ من عبيد الله كذبا إذا حدّث وخيانة إذا ائتمن ثم ائتمنه على أمانة الله كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يبتليه فيها، ثم لا يخلف عليه ولا يأجره»(٣).

٢٠ ــ أن يكون جميل المظهر

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ...﴾(٤).

١- ميزان الحكمة: ج١، ص٣١٧، برقم ٣٠٢، ح١٥٢٥.

٢- ميزان الحكمة: ج١، ص٣١٩، برقم ٣٠٥، ح١٥٥٠.

٣- ميزان الحكمة: ج١، ص٣١٩، برقم ٣٠٦، ح١٥٥٥.

٤- سورة الأعراف، الآية: ٣٢.

﴿٥٢﴾

(عن الإمام الكاظم عليه السلام، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال:

«إنّ الله يحب الجمال والتجميل، ويكره البؤس والتّباؤس؛ فإن الله عزّ وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها».

قيل: وكيف ذلك؟ قال:

«ينظف ثوبه، ويطيب ريحه، ويجصص داره، ويكنس أفنيته، حتى إن السراج قبل مغيب الشمس يفني الفقر ويزيد في الرزق»)(١).

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس»(٢).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل»(٣).

٢١ ــ وهي الجامعة لكل ما تقدم أن يتصف بمكارم الأخلاق

ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله عز وجل بعثني بها، وإنّ من مكارم الأخلاق أن يعفوَ الرّجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه،

١- ميزان الحكمة: ج٢، ص٨٢، برقم ٥٤٢، ح٢٦٢٤.

٢- ميزان الحكمة: ج٢، ص٨١، برقم ٥٤٢، ح٢٦١٩.

٣- ميزان الحكمة: ج٢، ص٨١، برقم ٥٤٢، ح٢٦١٨.

﴿٥٣﴾

ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده»(١).

وفي مكارم الأخلاق ورد عن يزيد بن إسحاق، عن الحسين بن عطية، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«المكارم عشر، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن، فإنّها تكون في الرّجل ولا تكون في ولده، وتكون في الولد ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحرّ».

قيل: وما هنّ؟ قال:

«صدق اليأس، وصدق اللّسان، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وإقراء الضيف، وإطعام السائل، والمكافأة على الصنايع، والتذمّم للجار، والتذمّم للصاحب، ورأسهنّ الحياء»)(٢).

وعن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، (عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«إنّ الله عزّ وجلّ خصّ رسله بمكارم الأخلاق، فامتحِنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله، واعلموا أنّ ذلك من خير، وإن لم تكن فيكم فاسألوا الله وارغبوا إليه فيها».

قال: فذكر(ها) عشرة، وقال هي:

«اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة والمروءة».

١- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٣٨، برقم ١١١٨، ح٥٢٧٧.

٢- أصول الكافي: ج٢، ص٦١ ــ ٦٢، برقم ٢١٥، ح١.

﴿٥٤﴾

قال: وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة وزاد فيها الصدق وأداء الأمانة)(١).

وجاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف:

«إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»(٢).

وجاء في بحار الأنوار أنه: (جاء رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين يديه فقال: يا رسول الله، ما الدّين؟ فقال:

«حسن الخلق».

ثم أتاه عن يمينه فقال: ما الدّين؟ فقال:

«حسن الخلق».

ثم أتاه من قبل شماله قال: ما الدّين؟ فقال:

«حسن الخلق».

ثم أتاه من ورائه فقال: ما الدّين؟ فالتفت إليه وقال:

«أما تَفْقَهُ؟ الدّين هو أن لا تغضب»)(٣).

١- أصول الكافي: ج٢، ص٦٢، برقم ٢١٥، ح٢.

٢- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٣٧، برقم ١١١٦، ح٥٢٦٤.

٣- ميزان الحكمة: ج٣، ص١٣٧، برقم ١١٧، ح٥٢٧٣.

﴿٥٥﴾

ربح الخادم

لا شك في أن لكل جهد ثمناً، ولكل عمل ثمرة، فإذا كان الجهد المبذول في عمل الخير لابد أن يكون ثمنه خيراً، وإذا كان العمل عمل خير فلابد أن تكون الثمرة كذلك.

فيا أيها الخادم العزيز: أنت تعمل وتكد وتجتهد في هذا المكان المقدس، وتعمل لدى مولى هو حجة الله تعالى وإمام هدى وسيد شباب أهل الجنة فانظر إلى ربحك وفوزك وظفرك:

١ ــ الكد والعمل من أجل تحصيل لقمة الحلال هو من أفضل الأعمال كما ورد في الحديث الشريف:

(عن أبي بصير قال: قال رجل لأبي جعفر عليه السلام: إنّي ضعيف العمل قليل الصيام، ولكنّي أرجو أن لا آكل إلاّ حلالاً، قال: فقال له ــ عليه السلام ــ:

«أيُّ الاجتهاد أفضل من عفّة بطن وفرج»)(١).

١- أصول الكافي: ج٢، ص٨٥، ح٤، باب العفة.

﴿٥٦﴾

فكيف إذا كانت اللقمة من مال الإمام الحسين عليه السلام؟

٢ ــ العمل في محيط قدسي بعيد عن سلطة الشيطان، وبعيد عن أجواء المعصية، حيث الملائكة الحافون بهذا القبر الشريف، وحيث نظر المولى الذي يرعى خدامه أفضل رعاية.

ولقد علمت عزيزي الخادم فضل كربلاء والقبر الذي هو روضة من رياض الجنة، ومما يؤيد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله رجل أيّهما أحب إليك الجلوس في الجنة أم الجلوس في المسجد؟ أجاب الإمام عليه السلام:

«الجلوس في المسجد».

فقال الرجل: ولماذا؟ قال الإمام عليه السلام:

«لأن الجلوس في الجنة فيه رضا نفسي والجلوس في المسجد فيه رضا ربي، ورضى ربي يقدم على رضا نفسي».

هذا مضمون حوار الأمير عليه السلام مع الرجل، وأنت عزيزي الخادم جالس في مكان هو مسجد وجنة في آن واحد، فهنيئا لك ذلك.

٣ ــ عندما تقدم على مكان عملك فإنك تبدأ بزيارة الإمام الحسين عليه السلام ولو بالتسليم عليه عند باب الدخول، وهذا التوفيق لم يحصل عليه رئيس الجمهورية فما دون، فتكون قد توفقت لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، وقد تقدم فضل زائر الإمام الحسين عليه السلام

﴿٥٧﴾

فهنيئا لك ذلك.

٤ ــ غيرك يخدم المؤمنين في دوائر الدولة أو في القطاع الخاص، ولكن أنت تخدم نوعاً خاصاً من المؤمنين ألا وهم زوار الإمام الحسين عليه السلام وقد عرفت فضل خدمتهم، فهنيئا لك ذلك.

٥ ــ يبدأ عملك من الصباح إلى المساء ومن المساء إلى الصباح، وعملك هذا عبادة بذاته فضلاً عن ثمراته الطيبة، فهنيئا لك ذلك.

٦ ــ طالب العلم تستغفر له الملائكة بل تفرش أجنحتها له، وأنت أيضا تستغفر لك الملائكة كذلك زائراً للإمام الحسين عليه السلام وخادماً له، فهنيئا لك ذلك.

٧ ــ بعملك هذا تدخل السرور على المؤمن، ولإدخال السرور فضل كبير كما ورد في الحديث الشريف: (عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«من سرّ مؤمنا فقد سرّني ومن سرّني فقد سرّ الله»)(١).

٨ ــ يتخلل عملك نصيحة للمؤمن، وفي هذا فضل كبير أيضاً كما ورد في الحديث: (عن أبي عبد الله عليه السلام:

«عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه»)(٢).

١- أصول الكافي: ج٢، ص١٩٤، باب إدخال السرور على المؤمن.

٢- أصول الكافي: ج٢، ص٢١٣، باب نصيحة المؤمن.

﴿٥٩﴾

٩ ــ قضاء حاجة المؤمن من خلال عملك خير من عتق ألف رقبة كما ورد في الحديث الشريف:

(عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة، وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله»)(١).

١٠ ــ عملك في هذا المكان المقدس وتحت نظر المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام مما يجعلنا نستلهم العبر والدروس من هذه الشخصية العظيمة.

ولا شك في أن الفوز في الآخرة والشفاعة وحضور الإمام الحسين عليه السلام عند الاحتضار لهو الربح الكبير الذي لا يفرط فيه عاقل.

١- أصول الكافي: ج٢، ص١٩٩، باب قضاء حاجة المؤمن.

﴿٦٠﴾

لطائف

أذكر لكم هذه اللطائف لترقيق القلوب وربطها بمولاها الإمام الحسين عليه السلام وهي ما يأتي:

اللطيفة الأولى

عندما سنحت لنا فرصة زيارة المرجع الديني الكبير في قم المقدسة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني، بعنوان وفد العتبات المقدسة المكوّن من وفد العتبة العلوية المقدسة ووفد العتبة الحسينية المقدسة، أفرد لنا المرجع الكبير من وقته مع زخم المراجعين وباختلاف عناوينهم.

وبعد عرض انجازات العتبتين طلبنا من سماحته أن يطرفنا بحديثه، فقال ما مضمونه ــ وأرجوا أن تتأمل يا عزيزي الخادم في قول هذا المرجع الكبير وأهميته ــ:

قال: الأمور على ثلاثة أنواع:

أمر يدرك ولا يوصف، وأمر يوصف ولا يدرك، وأمر لا يدرك ولا

﴿٦١﴾

يوصف، ووجودكم وعملكم من الأمر الثالث، فسألناه عن ذلك فقال عن وفد العتبة العلوية أنهم كل يوم يصلون ويخدمون عند أمير المؤمنين عليه السلام والصلاة عنده تعدل مئة ألف صلاة، وأما وفد العتبة الحسينية فقال لهم: ما من ملك مقرب أو نبي مرسل يريد أن يزور الإمام الحسين عليه السلام إلاّ أن يستأذن الله تعالى في ذلك، وأنتم كل يوم تزورونه وتخدمون وتصلون من الصباح إلى المساء.

فلاحظ عزيزي الخادم منزلتك ومقامك في نظر المرجع الكبير آية الله الشيخ الخراساني.

اللطيفة الثانية

أن أحد الخدم رأى في الرؤيا أنه أعطي اضبارة فيها أوراقه الثبوتية ومرزوم معها صورته مع الإمام الحسين عليه السلام.

﴿٦٢﴾

الخاتمة

لا شك في أن لم أقل شيئاً جديداً عليكم، ولكن ذكرت ذلك من باب:

﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾(١).

فأنا لا أدري وجودي في هذا المكان المقدس إلاّ نعمة أنعم الله تعالى عليّ بها، وتوفيقاً وفقني الله تعالى إليه، ولكن كما تعلمون بالشكر تدوم النعم، وبالعمل الصالح يستمر التوفيق، فلذا أدعو نفسي وأخواني وأخواتي الخدم إلى ضرورة الحفاظ على حسن العلاقة مع الله تعالى لكي نبقى نتمتع بهذه النعمة الكبيرة.

كما أرجو من أخواني وأخواتي الخدم أن يجعلوا دأبهم الخدمة وليس المنفعة الخاصة، ولتكن نيّة العمل في هذا المكان هي نية القربة إلى الله

١- سورة الذاريات، الآية: ٥٥.

﴿٦٣﴾

تعالى لا نيّة تحصيل الرزق فإن الرزق يأتي تبعاً لذلك، وأرجو مرة أخرى أن لا تفصلوا العمل عن حياتكم الخاصة بل العكس هو الصحيح، أي لا يحق لأحد مخلص أن يجعل خدمته وعمله تبعاً لما ينسجم مع حياته الخاصة بل يجب أن نجعل حياتنا ومتطلباتنا الخاصة تبعا لعملنا وخدمتنا في هذا المكان المقدس، ودعوني أضرب مثلاً في ذلك:

(وجد أحد الخدم أن تحصيل منفعة خاصة كتحصيل شهادة دراسية أو زيادة في الدخل يحتاج إلى التعديل المخل في الخدمة الحسينية، فيبادر ويتوسط من أجل أن يجعل خدمته في العتبة المقدسة تنسجم مع ذلك، فيغير وقت العمل أو يغير العمل ذاته من أجل مصلحته) فهذا أمر لا يدل على الإخلاص، نعم إذا كان التعديل غير مخل بالعمل والخدمة لا بأس بذلك.

أخيراً أدعوكم أن تدخلوا إلى الضريح المقدس وتطلبوا من إمامكم أن لا يخرجكم الله تعالى من هذا المكان أبداً، وقولوا كما قلت أنا مخاطباً المولى الحسين عليه السلام قلت له: سيدي أريد ألا أخرج من قبرك اختياراً إلاّ إلى قبري، وأسأل الله تعالى تحقيق هذه الأمنية، ولكن ولكن ولكن...، من أراد ذلك فليلتزم بشروط هذه الخدمة.

وفقنا الله تعالى وإياكم لمراضيه وجنبنا معاصيه بفضل الصلاة على محمد وآل محمد.

﴿٦٤﴾

المحتويات

المقدمة. ٥

فضل الخدمة. ٧

مكان الخدمة. ١١

نوع الخدمة التي يؤديها الملك.. ١٧

وجه الشراكة. ٢٧

صفات الخادم. ٢٩

ربح الخادم. ٥٦

لطائف.. ٦١

الخاتمة. ٦٣


﴿٦٥﴾